في عصر العولمة والتكنولوجيا المتقدِّمة، أصبح التواصل الإعلامي جسرًا يربط بين الثقافات المختلفة، بما يسهم في تشكيل المفاهيم والآراء، ويفتح آفاقًا جديدةً للتفاعل المنطقي القائم على الموضوعيَّة والاحترام. ويؤكِّد الخبراء أنَّ الإعلام الرقمي يمكن أنْ يكون وسيلة جيدة للتواصل، وتخفيف التوترات بين الثقافات والشعوب.
في البداية تحدَّث الدكتور مبارك واصل الحازمي أستاذ العلاقات العامَّة والإعلام الرقمي بكليَّة الاتِّصال والإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز فقال: الانتشار الواسع والسريع للمعلومات والأفكار عبر وسائل الإعلام المختلفة على مستوى العالم، أدَّى إلى تداخل الثقافات وتبادلها بشكل غير مسبوق؛ ممَّا عزَّز من التواصل بين الشعوب، وأتاح للأفراد الوصول إلى ثقافات متنوِّعة، وذلك رغم ما يثيره من مخاوف بشأن تأثيره على الهويَّة الثقافيَّة المحليَّة. كما يساهم ذلك في تعزيز التفاهم والتسامح بين الثقافات، مشيرًا إلى أهميَّة تجاوز مسألة الركون إلى الماضي، ووسائله التقليديَّة في التواصل والتعارف والتفاعل الثقافي والاجتماعي. وخلص إلى أنَّ هذا الأمر صار رغبة ملحَّةً وضروريَّة للعيش المشترك وتحقيق الذات التي لا يمكنها أنْ تشعر بوجودها الحقيقي، إلَّا في إطار تفاعلها مع الآخر.
من جهته أوضح الدكتور سعود الغربي المستشار الإعلامي ورئيس جمعية “إعلاميون” أنَّ الثورة الاتِّصاليَّة التي يشهدها الإعلام انعكست على حياة الناس في كل تفاصيلها العماليَّة والماليَّة والاجتماعيَّة والتعليميَّة والصحيَّة والنفسيَّة، وحققت لهم قفزات هائلة، ووفرت لهم الجهد والوقت، وهذه جوانب محمودة وإيجابيَّة، ويمكن توظيفها لتحقيق أفضل النتائج الممكنة لجودة الحياة، وانعكاسها على رفاهية الإنسان، ولكنَّ الوجه الآخر لهذه الثورة الاتصاليَّة والتكنولوجيا هو وجود جوانب سلبيَّة قد تعرض الناس لخسائر كبيرة، من خلال الممارسات الخاطئة والإجراميَّة التي يستغلها أيُّ مجرم لإلحاق أضرار جسيمة بمن يستخدم هذه التقنيات على أي مستوى. وقد يتسبَّب استخدام التكنولوجيا في أمراض ومشكلات اجتماعيَّة ونفسيَّة، ولذلك لابُدَّ من حُسن إدارتها واستخدامها.
ولفت إلى أنَّ السعوديَّة قفزت (25) مرتبة في مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الإلكترونيَّة 2024م؛ لتكون ضمن مجموعة الدول الرَّائدة على مستوى العالم، وحقَّقت المركز الرابع عالميًّا، والأوَّل إقليميًّا، والثَّاني على دول مجموعة العشرين في مؤشر الخدمات الرقميَّة.
من جانبه، أوضح سعد المطرفي المستشار الإعلامي ومساعد رئيس هيئة الصحفيِّين السعوديِّين بمنطقة مكَّة المكرَّمة: أصبح الإعلام الرقمي من أكثر وسائل التواصل البشري تأثيرًا في صناعة الثقافة، وتشكيل الوعي، وتحديد التوجهات المجتمعيَّة بحكم قدرته المؤثِّرة في نشر المعلومات بكافَّة أشكالها، لذلك من المفترض أنْ يكون ناقلًا أمينًا لقيم التَّسامح المستدام خصوصًا وأنَّ محتواه الأساس تشاركي، وتشكِّل جائزة المنتدى السعودي للإعلام أحد ممكنات تعزيز نشر ثقافة التسامح في العالم، وبناء قيم الاعتدال بأسلوب مهني وموضوعي، يعكس حالة الوعي الكامل لدى الإعلاميِّين الرقميِّين نحو تحقيق المساهمة المباشرة في تشكيل العقل المزدهر والأكثر وعيًا وإدراكًا لدوره التنموي. وأشار إلى أنَّ التسامح أحد أسس رؤية 2030، والجائزة تمثِّل ابتكارًا رائدًا لتأصيل أهميَّة تعزيز التَّسامح في الطرح الرقمي إعلاميًّا.
وقال المستشار الإعلامي علي محمد الحازمي رئيس نادي الصحافة الرقميَّة لـ”المدينة”: إنَّ وسائل الإعلام التقليديَّة والرقميَّة -اليوم- تلعب دورًا حيويًّا في نقل الأفكار، وبناء جسور التواصل بين الناس؛ ممَّا يعزِّز من التفاهم المتبادل، ويخلق علاقات أكثر عمقًا، وقد أظهرت دراسة أجرتها اليونسكو أنَّ الإعلام الذي يراعي التعدُّد الثقافي يمكنه تخفيف التوترات والنزاعات المحتملة، من خلال خلق مساحة للحوار البنَّاء، حيث تتيح منصَّات مثل يوتيوب، وفيسبوك، وإنستغرام للنَّاس فرصة لمشاركة قصصهم وتجاربهم مع العالم؛ ممَّا يفتح أبوابًا نحو معرفة الآخر بصورة أكثر عمقًا وإدراكًا. وأشار إلى أنَّ هذه الديناميكيَّة تتجلَّى في التفاعل المستمر بين الأفراد من ثقافات مختلفة؛ ممَّا يغيِّر طبيعة العلاقة التقليديَّة بين المرسل والمستقبل.
وفي السياق ذاته، تظهر الحاجة إلى تطوير إستراتيجيات إعلاميَّة تتجاوز مجرَّد نقل المعلومات إلى خلق فهم أعمق للثقافات المختلفة، بحيث يتم تجنُّب التحيُّزات، وتعزيز الاحترام المتبادل، وتبادل الأفكار بشكل سلس، وقد أثبتت دراسة من معهد دراسات التنوُّع الثقافي أنَّ الإعلام الذي يعزِّز القِيم الإنسانيَّة المشتركة مثل التسامح والاحترام، ويساهم في بناء عالم أكثر اتِّصالًا وتفاهمًا عبر الفضاءات الإلكترونيَّة يمكن أنْ يكون عاملًا إيجابيًّا في مواجهة التحدِّيات الثقافيَّة المعاصرة، إذا ما تم توجيهه بشكل سليم؛ ليصبح منصَّة لنشر المعرفة والقيم الإنسانيَّة المشتركة.
ويطرح الحازمي سؤالًا هامًّا هو: كيف يمكن للإعلام أنْ يستمر في هذه الرحلة، دون أنْ يقع في فخ الصور النمطيَّة؟ وكيف يمكنه أنْ يكون حاضرًا في كل لحظة من حياة النَّاس، مساهمًا في بناء عالم أكثر تفهُّمًا؟ الإجابة قد تكمن في الاستثمار في تطوير البرامج التدريبيَّة للعاملين في المجال الإعلامي، وعلى الإعلام أنْ يبقى مرنًا في مواجهة المتغيِّرات العالميّة