يتمتع الحرف العربي بمرونةٍ مميزة قلّ مثيلها، وهو ما مكّنه من بسط نفوذه على مستوى الخطوط واللغات العالمية، ليتجاوز دورَهُ في كتابة المفردة ونقل المعلومة ليصبح فناً بذاته، يُصوّر الجَمال، ويعزز من حضور الإرث التاريخي للحضارة العربية والإسلامية، وهو ما حدا بمركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي لإطلاق مسابقة الخط العربي ضمن أنشطة معرض جدة للكتاب الذي يقام خلال شهر ديسمبر المقبل.
وتأتي هذه المسابقة لدعم هذا الفن الأصيل، والتعريف به باعتباره جزءاً أساسياً من الهوية الثقافية السعودية، والتراث الفني للحضارة العربية والإسلامية. وتسعى المبادرة من خلالها إلى تحفيز الإبداع في فن الخط العربي، ودعوة الخطاطين من مختلف أنحاء العالم لإحياء تقاليد هذا الفن وفق أرقى المعايير الفنية، مما يبرز أهمية الخط العربي ثقافياً وفنياً، ويدعم الإبداع والمواهب.
وكانت وزارة الثقافة قد وسَمت عام 2020م بعام الخط العربي، ضمن مبادرات برنامج جودة الحياة -أحد برامج تحقيق رؤية السعودية 2030- ومدَّدَتها حتى عام 2021م؛ لترسيخ مكانة المملكة بوصفها الحامية للخط العربي، والحاضنة له على مستوى العالم، ولتعكس مكانته بوصفه رمزاً ومخزوناً ثقافيّاً، وفنّاً وإرثاً يعكس الثقافة العربية، وتحويله إلى نموذج يُعبر عن هوية المملكة، وتعزيز حضوره عبر إشراك القطاعات الحكومية، والخاصة، والأفراد في الاحتفاء بهِ على مدار العام. وقد تُوِّجت مبادرة “عام الخط العربي 2020” بتسجيل عنصر الخط العربي في قائمة التراث غير المادي لمنظمة اليونسكو بمبادرةٍ وقيادةٍ من المملكة وبالتعاون مع 15 دولةً عربية.
وعلى الرغم من التحديات الكثيرة التي تواجه الخط العربي، بعد أن تراجع استخدام القلم بنسبة كبيرة، ليصبح الاعتماد على لوحات المفاتيح في أجهزة الحواسيب والهواتف الذكية، إلا أن ذلك لم يمنع الحرف العربي من مواجهة الغزو الإلكتروني بصلابةٍ وقوة؛ ليتكيف مع كافة المتغيرات الزمانية والمكانية، ويكمل مسيرةً زاخرة بالتفاصيل الثقافية والفلسفية.
تعاقبت الأزمان وبقي الخط العربي شاهداً على تلك الحقب، ومتوارَثاً بهيئاتٍ وأشكالٍ مختلفة كالكوفي، والثلث، والنسخ، والرقعة، والديواني، والمسند، والثمودي، واللحياني؛ لتحكي النقوش قصصاً مؤرخة في مختلف مناطق المملكة، منها نقشٌ كَشفت عنه هيئة التراث في فترة سابقة بخط الجزم، وهو ما يوثق تطور الكتابة العربية، ودورها المحوري في نقل وتوثيق تاريخ الأمم والشعوب، إضافةً لكونها مورداً خصباً لاستقصاء الحياة الاجتماعية في تلك الحقب الزمنية.