يختلف “جامع العرب” في إسطنبول بتركيا، في اسمه وفنه المعماري عن بقية جوامع المدينة التركية، إذ يعد أول جامع رفع منه الآذان في سماء إسطنبول، كما أنه أول جامع بني فيها، على يد القادة المسلمين العرب خلال حصار المدينة، قبل تحويله إلى كنيسة لاحقا، ليعيدها السلطان محمد الفاتح إلى جامع مجددا، بعد فتحه المدينة في عام 1453.
ويعتبر الجامع علامة فارقة في التنوع الثقافي والعمراني بين العصرين الأموي والعثماني، ما يجعل زيارته تجربة لا تنسى للراغبين في استكشاف الحضور الثقافي والتاريخي لمدينة إسطنبول.
كما يعد الجامع منبعا هاما للتاريخ الإسلامي في المنطقة، حيث يعكس الأثر الإسلامي في تركيا ويحتضن أهم أدلة تاريخية من الفترة العثمانية مثل المصاحف والقطع المعمارية التي تعكس جمالية العمارة الإسلامية.
وقد خضع “جامع العرب” لعمليات توسيع وترميم على يد كل من والدة السلطان محمود الأول، وزوجة السلطان مصطفى الثاني، وابنة السلطان محمود الثاني، تم خلالها إنشاء مقصورة للسلطان، وسبيل ماء، وموضأ، وصهريج.
وتحول الجامع إلى أحد أبرز جوامع السلاطين في إسطنبول، عقب إنشاء مقصورة للسلطان في قسمه العلوي، ولعل أكثر ما يشد الزائر إليه وجود ممر أسفل مئذنته المربعة يؤدي إلى الفناء الداخلي للجامع، بينما هيكله الخارجي مبني من الحجر والطوب فيما تم إكساء الفناء الداخلي بالأخشاب بشكل كامل.
وللجامع مكانة خاصة في قلوب الأتراك والمسلمين، فعلاوة على كونه تحفة معمارية، له دلالة تاريخية كبيرة، فهو أيضا مقصد سياحي يتقاطر عليه الزوار للوقوف على نمط بنائه وعمرانه الأندلسي المميز والفريد، ما يجعله يتمايز عن العمارة التقليدية النمطية للدولة العثمانية.
وفي هذا السياق، وصف عثمان أونلو المسؤول في رئاسة الشؤون الدينية التركية، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا” “جامع العرب” بأنه من أقدم الجوامع في إسطنبول، وأن تاريخه يمتد إلى العصور الوسطى، وأنه بني على أنقاض كنيسة كاثوليكية رومانية، وتم تحويله إلى جامع في عهد الفتح الإسلامي لمدينة إسطنبول.
وقال: إن الجامع يقع في منطقة كاراكوي المتميزة بإطلالتها على مضيق البوسفور، مما يضفي على المكان جوا خلابا وجمالا استثنائيا، مشيرا إلى أن الجامع يتميز بأسلوب معماري فريد وأثري، ويضم العديد من العناصر الزخرفية الخاصة به، مثل المآذن الجميلة والتفاصيل التي تلفت أنظار الزائرين إلى أبوابه وشرفاته وقبابه.
ويعد معمار “جامع العرب” من أندر هياكل الجوامع في إسطنبول، إذ يختلف عن الطراز العمراني المعهود، بفضل مئذنته التي تم تحويلها من برج جرس الكنيسة، وتضم 102 درجة، وتتميز بشكل رباعي الزوايا، وفي قمته مخروط حاد.
ويستند الجامع على اثنين وعشرين عمودا خشبيا، بينما يقوم قسمه العلوي على ثمانية أعمدة من أحجار المرمر، ويتكون من ثلاثة طوابق، وله سبعون نافذة.
ويرى كثير من متخصصي الفن المعماري القديم بأن الجامع يتشابه في البناء مع الثقافة المعمارية التي كانت سائدة في العصر الأموي، لا سيما أن مئذنته مربعة، ومصلاه مستطيل الشكل، على عكس فنون العمارة العثمانية للمساجد المشهورة بشكلها الدائري والقباب التي تعلو المسجد.
ومن جانبه، قال إبراهيم بازان، كاتب تركي متخصص في تاريخ الإمبراطوية العثمانية، إن “جامع العرب” يعد أقدم جامع بني في مدينة إسطنبول ويتسع لنحو ثلاثة آلاف مصل في آن واحد ويبرز كمعلم تاريخي يلخص عراقة المدينة التي احتضنت حضارات عديدة على مر القرون، مشيرا إلى تميز الجامع عن باقي الجوامع التقليدية في إسطنبول بروعته الهندسية وفنه المعماري الفريد من نوعه، ما يجعله جديرا بالزيارة.
وتابع: أن اللافت في الجامع ذلك التشابه الواضح في بنائه بالثقافة المعمارية التي كانت سائدة في العصر الأموي، على عكس الفنون العثمانية القديمة، الأمر الذي جعله مقصدا للزوار من كل مكان.
وبحسب المؤرخين الأتراك، فإن الجامع ورد في كتاب “سياحة نامة” للرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي، وأن الجيش الإسلامي حاصر إسطنبول في عام 716، لكنه فشل في تجاوز أسوار المدينة، ونتيجة اتفاقية خاصة، بنى جامعا في منطقة غالاطه بالطرف الأوروبي من المدينة العريقة، ورفع فيه الأذان للمرة الأولى في عام 717.
ويسعى كثير من الزوار لزيارة الجامع للاستمتاع بجماله، وروعة المنطقة، والتعرف على التاريخ الإسلامي المحفوظ في جدرانه، بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الجامع محورا هاما للصلاة والعبادة للمسلمين في إسطنبول، فيما يقدم برامج تعليمية وثقافية للمجتمع المحلي والسياح الراغبين في تعزيز فهمهم للإسلام والتاريخ الإسلامي.
المصدر:قنا