يمثل جامع محمد الأمين في وسط العاصمة اللبنانية بيروت، صرحا إسلاميا شامخا وشاهدا على عقود زمنية مليئة بالإيمان والروحانيات. ويقع الجامع، الذي يحمل اسم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ولقبه “الأمين”، في وسط مدينة بيروت التاريخية عند الزاوية التي تصل ساحة الشهداء بساحة رياض الصلح عبر شارع الأمير بشير، ويتميز موقعه بكونه نقطة التقاء للكثير من الشوارع في بيروت.
وضع حجر الأساس للجامع، في شكله الحالي، في السادس من نوفمبر عام 2002، وافتتح في السابع عشر من أكتوبر عام 2008، ويعتبر من أضخم مساجد لبنان وأفخمها ويتسع لنحو خمسة آلاف مصل، وتبلغ مساحته الإجمالية 10711 مترا مربعا.
وتاريخيا، كان الجامع في الأساس زاوية، وتعود بداية إنشائه إلى عام 1853م، عندما خصص السلطان العثماني عبدالمجيد قطعة أرض بوسط بيروت لإقامة زاوية (مسجد)، وذلك بموجب فرمان بهذا الخصوص.
وفي البداية أقيمت على قطعة الأرض سوق مسقوفة وموقوفة عرفت باسم “سوق أبو النصر”، وأقيم على طرف السوق مبنى حجري يتكون من طابقين، خصص الثاني منهما للسكن واستقبال الوافدين إلى المدينة في المناسبات، بينما جعل الأول “زاوية” تقام فيها الصلوات الخمس وحلقات الذكر.
وفي عام 1888م بدأ التفكير في تحويل الزاوية إلى جامع تؤدى فيه صلاة الجمعة، غير أن ذلك الأمر لم يتحقق إلا بعد قرابة ستين عاما، عندما انتقلت إدارة الزاوية والسوق إلى الأوقاف الإسلامية في بيروت في الخامس من فبراير عام 1953.
ومنذ ذلك الحين قامت لجان خاصة وبإشراف المفتي والأوقاف بجمع تبرعات لإنجاز أمرين، الأول شراء المزيد من الأراضي حول الزاوية والسوق لزيادة المساحة، والثاني البدء في بناء “جامع محمد الأمين“.
وفي هذا السياق، قال الشيخ أمين الكردي أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية وإمام وخطيب جامع محمد الأمين، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن الجامع يعد أكبر مسجد في لبنان، وقد تداعى أهل بيروت منذ أكثر من ستين عاما لجمع تبرعات لإنشائه، لافتا إلى إقامة العديد من الأنشطة الدينية والدعوية والتعليمية في الجامع، كما أنه يشهد خلال شهر رمضان المبارك من كل عام ختم القرآن الكريم في صلاة التراويح.
وأضاف: الجامع يشهد العديد من الفعاليات، منها إقامة دورات للناشئين والكبار، ومجالس لتعليم القرآن الكريم في مقرأة الحسن ومقرأة المنير ومقرأة النهى في أوقات متفرقة من اليوم، مؤكدا أن هذا المسجد يمثل صرحا للتلاقي بين أبناء الأمة في بيروت، وفي رحابه تقام مجالس العلم والذكر.
وتتوافق الأسس المعمارية لجامع محمد الأمين في بيروت مع العمارة العثمانية، حيث تحاكي العناصر الزخرفية والمعمارية شتى الحقب الإسلامية التي مرت على لبنان، إذ يبدو التواصل المملوكي- العثماني في الأبعاد الهندسية للجامع وفي المآذن والقباب، كما تبدو التأثيرات الأموية والفاطمية والمملوكية والعثمانية في التفاصيل والألوان، وتصاغ ممزوجة بأصالة الحرفيين اللبنانيين، لتنتج عمارة محلية رائدة.
وتم طلاء قباب المسجد باللون الأزرق، فيما تعانق مآذنه الأفق، ويمكن رؤيتها من مختلف أنحاء بيروت، وزينت القبة الداخلية بنقوش وزخرفات مذهبة، كما زينت الجدران الداخلية بآيات قرآنية، وفق المتبع في المساجد العثمانية، وتتدلى من أسقف الجامع ثريات ضخمة من الكريستال.
وقد تشكلت مآذن الجامع استنادا إلى النموذج العثماني، كما تم تزيين واجهاته الخارجية بآيات من سورة يس، لمخاطبتها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وتم تزيين جدران الجامع الداخلية بآيات من سورة محمد، كما تم تزيين مداخل الجامع وفتحات الشبابيك بآيات من القرآن الكريم تتحدث عن آداب المسلمين والمصلين، وتوزعت طرق الكتابة في المسجد، فاستعملت تقنيات الحفر على الحجر والكتابة على بلاط الإزنك التركي والنقش الكتابي على الخشب والجص، وتمت كتابة آيات قرآنية من جانب خطاط القرآن الكريم في المدينة المنورة الشيخ عثمان طه.
ويتألف الجامع من أربعة طوابق، هي الطابق السفلي الثاني والطابق السفلي الأول والطابق الأرضي والطابق الأول، وتوزعت على هذه الطوابق العناصر والخدمات المكونة للجامع، الذي يضم مصلى للرجال وآخر للنساء، حيث تتسع القاعة الكبيرة المخصصة لصلاة الرجال والتي تقع في الطابق الأرضي لحوالي 3700 مصل.
كما يوجد مصلى للرجال يتسع لحوالي 450 مصليا في الطابق الأول من الجهة الشمالية، في حين يوجد في الطابق الأول من جهته الغربية مصلى مخصص للنساء بسعة حوالي 850 مصلية، لتكون بذلك الطاقة الاستيعابية للمسجد في الظروف العادية حوالي 5 آلاف مصل، يضاف إليها حوالي 2500 شخص عند استعمال الفراغات الأخرى مثل القاعة المتعددة الاستعمال والردهات الخارجية.
ويعد مبنى الجامع صرحا رباعي الأضلاع، ويعلو هذا الشكل الرباعي مربع آخر تلامس أطرافه الشكل الأول ويعلوه ارتفاعا، وتنتصب على زوايا هذا المربع مآذن، تتوسطها قبة وتنساب منها أنصاف قباب، وقد بني الجامع بالخرسانة المسلحة، وغلف بالحجر الأصفر الذهبي وزخرفت أطرافه بالكرانيش المزخرفة والأحجار المطعمة باللون الأبيض وكسيت القباب باللون الأزرق اللازوردي، وركزت على رأس القباب والمآذن أجسام مكورة متعددة الطبقات تنتهي بهلال، صنعت من النحاس الأصفر وكسيت بماء الذهب.
وتعتبر الواجهة الشرقية للمسجد الأهم، إذ تفتح على ساحة الشهداء بطول 40.53 متر وتتكون من قسمين، يفصل بينهما جسم المئذنة، وتقوم خلف الواجهة الشرقية ردهة خارجية مثلثة الشكل، الضلعان الشرقي والشمالي منها يطابقان في الفتحات الواجهة الشرقية والغربية، بينما يحتوي الضلع الثالث والذي أصبح متعامدا مع محور القبلة على مجموعتين من البوابات تفصل بينهما اللوحة التأسيسية للجامع.
المصدر:قنا