شهد معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة تحت شعار “الرياض تقرأ”، سلسلة من الندوات والورش الثقافية المتنوعة التي عكست ثراء الحراك الفكري والأدبي في المملكة، وجمعت بين التاريخ والفكر والإبداع الأدبي والتقنيات الحديثة.
ندوات تاريخية حول الوثائق والذاكرة الوطنية
أقيمت على مسرح المعرض ندوة بعنوان “الوثائق ذاكرة الأمة: رحلة التاريخ السعودي من الدرعية إلى العصر الحديث”، قدّمها أستاذ التاريخ السعودي بجامعة الملك سعود الدكتور حمد بن عبدالله العنقري. وأوضح خلالها أن التوثيق لتاريخ الدولة السعودية مر بثلاثة أطوار: الأول اعتمد على السجلات الخاصة بدرجة محدودة، والثاني ارتبط بالتوثيق الخارجي عبر تقارير القناصل والوكلاء في ظل المنافسة الإقليمية، أما الثالث فجاء بعد توحيد المملكة ليشهد طفرة في التوثيق محليًا وعالميًا. وأكد العنقري أن تأسيس دارة الملك عبدالعزيز (1972م)، بإشراف ودعم الملك سلمان بن عبدالعزيز، شكّل نقلة نوعية جعلت من الدارة المرجع الأوثق لحفظ تاريخ المملكة وفق أحدث معايير الأرشفة الرقمية والبحث العلمي.
كما نظم المعرض ندوة أخرى بعنوان “الوثائق ومسارات الدولة السعودية عبر العصور”، تناولت أهمية الوثائق كمصدر رئيس لتوثيق تاريخ الدولة وتحولاتها، مؤكدة تكامل الوثائق مع الروايات الشفهية والمخطوطات. وأشارت إلى دور المراكز العلمية في المملكة مثل دارة الملك عبدالعزيز ومكتبة الملك فهد الوطنية وجامعة الملك سعود ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في حفظ مجموعات كبيرة من الوثائق التي توثق عصور الدولة السعودية المتعاقبة. وخلصت الندوة إلى أن دراسة الوثائق الوطنية تمثل ركيزة لبناء الوعي التاريخي وتعزيز الهوية الوطنية بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
ورش الكتابة والإبداع الأدبي
استعرضت ورشة “حديث كتاب العازف المجنون: أردت أن أكون” المراحل التي تمر بها الرواية منذ ولادتها كفكرة وحتى صدورها مطبوعة، مرورًا بمحطات صياغة الفكرة، وبناء الشخصيات والحبكة، ثم مرحلة الكتابة، وصولًا إلى التحرير والمراجعة لضمان جودة السرد واتساقه.
وفي ورشة “التقنية: بوابتك لعالم الكتابة”، طُرح مفهوم الكتابة الإبداعية والوظيفية، ودور التقنية والذكاء الاصطناعي التوليدي في تطوير مهارات الكاتب وتمكينه من الوصول إلى جمهور عالمي. كما عُرضت نماذج تطبيقية لأدوات التحرير الرقمي، مؤكدين أن الإبداع يقوم على الجمع بين الموهبة والوعي باللغة واستخدام الأدوات التقنية الحديثة.
الخط العربي وصناعة السؤال
ضمن البرنامج الثقافي، أقيمت ورشة بعنوان “أساسيات خط الرقعة”، قدمت رحلة تاريخية عن بدايات الخط العربي، موضحة الفروقات بين الخط الفني والخط الدارج.
كما نظم المعرض ندوة حوارية بعنوان “صناعة السؤال”، شددت على أهمية السؤال كأداة فكرية في بناء الوعي وإثراء المعرفة، معتبرة أن الحوار الناجح يقاس بقدرة الأسئلة على كشف الزوايا الخفية وتحفيز التفكير. وأكدت أن مرحلة ما بعد رؤية المملكة 2030 شهدت تحولًا نوعيًا في المشهد الحواري ليصبح أكثر انفتاحًا واتصالًا بقضايا المجتمع.
تجمع فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 بين الماضي والحاضر، إذ تمزج بين الاهتمام بتوثيق التاريخ الوطني عبر الوثائق، وتعزيز الهوية الثقافية، وبين تمكين الشباب والكتّاب عبر ورش الكتابة والتقنيات الحديثة. كما تفتح النقاشات الفكرية والحوارات آفاقًا جديدة في صناعة الوعي، ما يعكس دور المعرض كمنصة ثقافية كبرى ترسخ موقع الرياض كعاصمة للكتاب والفكر والإبداع.
المصدر: واس
من ذاكرة التاريخ إلى آفاق الإبداع: معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 يرسم رحلة الفكر والوعي
118