تتميز الأسبلة العُثمانية بتصاميمها الهندسية المتنوعة، والتي تتجلى في واجهاتها الحجرية
والرخامية، بالإضافة إلى الأرضيات والجدران المزخرفة روعة العمارة العُثمانية.
في مدينة إسطنبول تزين هذه الأسبلة بواجهات عالية، ويُطلق عليها في التركية اسم “الجشمة” ومن أشهرها سبيل
السُّلطان أحمد الثالث أمام قصر توب قابي، إلى جانب الأسبلة المنتشرة في
الأزقة القديمة، مثل منطقة أق سراي، وفي أحياء راقية مثل بلاط
والفاتح.
يقول أستاذ التاريخ
في جامعة إسطنبول مراد كليج أصلان في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية: “الأسبلة
هي أبنية مخصصة لإرواء عطش المارين في الطرقات، وقد جرت العادة على تشييدها إما
كمبانٍ منفصلة أو كملحقات بالمدارس والمساجد، وأحيانًا بالمنازل”.
وأضاف: “ظهرت الأسبلة لأول مرة
في العهدين الأيوبي والمملوكي، وارتبطت تاريخيًّا بالعمارة الإسلامية، إلا أنها
شهدت انتشارًا واسعًا خلال الحكم العثماني.”
وأشار إلى أن السلاطين العُثمانيين
أولوا اهتمامًا خاصًّا بهذه المنشآت، خاصة في المناطق المقدسة، حيث أقاموا سبل
مياه كبيرة لخدمة الحجاج، كما وضعوا مشرفين للإشراف على إدارتها وصيانتها.
وكان بناء الأسبلة
تقليدًا قديمًا لدى الملوك والسلاطين، لكنه اكتسب طابعًا مميزًا في الحضارة
الإسلامية. فقد تنافس أهل الخير والأغنياء في تشييدها، باعتبارها من أعمال البرّ والإحسان. لذا، انتشرت الأسبلة في الأزقة والطرقات والأماكن العامة، حتى
نادرًا ما نجد مدينة إسلامية تخلو من سبيل أو عدة أسبلة.
ويُعد عثمان بن عفان أول من أنشأ سبيلًا في الإسلام، حين اشترى بئر رومة في
المدينة المنورة وأوقفه لسقاية المسلمين، بعد أن كان صاحبه اليهودي يبيع الماء
بأثمان باهظة.
ولضمان استمرارية هذه المنشآت،
كان أصحاب الأسبلة يخصصون لها أوقافًا من الأراضي والممتلكات، لتأمين
الموارد المالية اللازمة لصيانتها، ودفع رواتب العاملين فيها.
وتشكل الأسبلة
العثمانية جزءًا أصيلًا من هوية إسطنبول المعمارية، فهي ليست مجرد منشآت لتوفير
الماء، بل تحفًا فنية تعكس روعة الهندسة الإسلامية، وتجسد قيم التكافل الاجتماعي
التي ميزت الحضارة الإسلامية عبر العصور.
المصدر:فانا